الطبيب النفسي مريض نفسي!!
كل منا سمع بهذه المقولة التي تدعي أن الطبيب النفسي شخص مريض نفسيا ولذلك اختار دراسة هذا العلم ليعالج نفسه!!
طبعا هذا القول درامي جدا ويصلح كأساس لقصة ممتعة عن الطبيب النفسي الذي يعالج أمراض البشر ولا يستطيع علاج روحه المعذبة!!
لكن المفاجأة هي أن هذا القول له أساس من الصحة!!
لكن في البدء يجب توضيح المفاهيم..
فالمرض النفسي هو اضطراب يصيب المشاعر أو الأفكار أو الحواس ويؤدي إلى اضطراب في السلوك يلاحظه المجتمع ويؤدي لاضطراب الشخص في مجال الوظيفة والأسرة والمجتمع..
وفكرة(كلنا مرضى نفسيون) فكرة ساذجة للغاية لأنه منطقيا لو كنا كلنا مرضى نفسيا فبالتالي يصبح المرض النفسي شيئا طبيعيا لأن المرض بالتعريف هو انحراف الشخص صحيا عن حدود الصحة حسب المعدلات الاحصائية في مجتمعه..
فمثلا ..معدل السكر للشخص الطبيعي يتراوح بين
٧٠-١١٠ وذلك حسب الاحصائيات لذا فالشخص الذي يزيد معدل السكر لديه عن ذلك او ينقص فهو مصاب بالمرض وليس(جميع الناس في هذا المدى مصابون بالمرض!!)
وكذلك بالنسبة للمرض النفسي فكلنا بشكل او بآخر لدينا(سمات) أو (صفات) غير سوية تختلف من شخص لآخر لكن بالنهاية تعتبر ضمن الحدود المقبولة التي لاتؤدي لانحراف في السلوك وخلل في وظائف الشخص المهنية أو الاجتماعية،،
أما حين يصبح لدى الشخص مجموعة من (السمات) غير السوية بدرجة أكبر من المعدل العام وتؤدي لاضطراب في حياته الوظيفية والاجتماعية فهنا نطلق على الشخص اسم (المريض النفسي)..
وبالعودة لموضوع الطبيب النفسي،فالطبيب النفسي هو إنسان يعيش في مجتمع وليس كائنا هابطا من الفضاء،وهو يحمل سمات وعادات مجتمعه بحسنها وسيئها..
لكن ما يميز الطبيب النفسي هو سمة مهمة وهي موهبة من عند الله ألا وهي (الوعي الباطني)..
فالطبيب النفسي شخص حساس وهو منتبه وواعي لعيوبه الشخصية وليس متغافلا عنها أو منكرا لها كأغلب الناس،ووعيه بعوالمه الداخلية وصراعاته دفعه إلى دراسة هذا العلم ليس (ليعالج نفسه،فهو ليس مريضا) بل(ليفهم نفسه،ويفهم سلوك الآخرين من حوله)..
إن وظيفة الطب النفسي تتطلب قدرا عاليا من السواء النفسي ليستطيع التسامي فوق السلوكيات غير السوية التي يتعامل معها يوميا(رغم أنه لايوجد إنسان كما ذكرنا خال من السمات السيئة) بالإضافة إلى حساسية وإدراك عال للمشاعر وتحليل اسباب السلوك وذكاء عاطفي واجتماعي،لذلك ترى كثيرا من الاطباء النفسيين لديهم ميول أدبية وشعرية وفنية،كون الطب النفسي يجمع بين العلم والأدب والفن،لذلك لن تجد أي تطبيق حاسوب يستطيع تشخيص الامراض النفسية لما يتطلبه ذلك من حس إنساني عالٍ بالاضافة إلى المعلومات النظرية..